السياق و أغوار النفس الإنسانية
Updated: Oct 12, 2022
لقد حلمت بأن الإنسان يتشارك مع الحمام المهاجر قدرته على أن يحلق بأسراب كبيرة تغطي السماء لساعات، و لكن لم أستطع تخيل الحمام يتشارك فعل الإنسان في اصطياده ونصب الشراك للإيقاع به حتى الإنقراض. لطالما آمنت بأن البشر فطرياً محايدين، يستمدون تعريف الخير و الشر، النور و الظلام و كل متضادات الحياة من تجاربهم المُباشرة و الغير مباشرة.
الحب من الوالدين ..
الثقه من معلمك الأول ..
الإرتباط من محيط عائلتك ..
و الطمئنينه من الشارع المؤدي لمنزلك..
الإنتماء من صديقك الأول..
الشغف من متابعة فريقك المفضل..
التسامح من قبول أخيك اللعب معك بعد المشاجرة..
التقدير من الرسمات المعلقه على مغناطيس الثلاجه..
و كل هذه التجارب ترسم مساراً إجبارياً و تفسيراً مدفون لكيفية إعادة تعريف هذه التجارب مستقبلاً، و المشاعر التي ترتبط معها في عقلنا اللاواعي فلا يمكن تعريف المشاعر بدون التجارب المرتبطه بها و السياق المكون كنتيجة مباشرة لهذه التجربة.
فالحب قد يكون مشروطًا عندما تكون مطيعا كطفل، فترتبط المشاعر بالتجربة و تكون السياق، أنك فطريا لا تستحق الحب إلا إذا أحسنت التصرف، أو ربما بإنك لا تستحق الثناء إلا إذا فعلت تماما كل ما يطلبه الآخرين منك متجاهلا رغباتك الشخصية، فالسياق يُكون صورة نمطية عن المشاعر و ردود الفعل المتوقعه في أي تجارب ما تشابه التجارب السابقه بأي طيف من الأطياف، و بهذا تصبح المشاعر إعادة إحياء لروبورتاج نعرفه جيداً، بل شاركنا جزئيًا في صياغته.
الخوف كان بالنسبة لي هو الظلام، فقدان القدرة التام على الرؤيه و الإحساس و بالتالي فقدان القدرة على التوقع و القدرة على تكوين استجابة مُستعدة، و هو ايضاً النوم وحيداً، فقد كنت أشعر في طفولتي أن وحشاً ما يأكلني حين ينام والدي. نشأ الخوف كجزء متأصل من ذاتي و تقدم مع تطور إدراكي لذاتي، ما يميز الخوف هو اللاحاجة للمنطق، فالخوف يزهر و يثمر على أرض لا وجود لها و لكنها حقيقه جداً لك لمن يشارك في التجربة. كنت أخشى كثيراً الاحتضار و ليس الموت، قُرب النهاية مرعب و ليس النهاية بحد ذاتها، لأن قربها يعني الحاجة لاتخاذ القرار الصائب، و إعلان قرب نهاية قيامة الذات، مقاصة روحيه لدفع دية الوجود، يبحث الإنسان عن المعنى المعبر عن جوهر ما يمارسه في كل شيء و لكن عند النهاية تتغير الحسابات و كل شيء كان ذات أهميه عند قرب النهاية ينكمش.
ربما إذا كان السياق مختلفا فأخّير الناس قد يكونو أشراراً، و أشّرهم قد يكونو أخيارا.
تجعلني هذه الفكرة أتفاءل أن البعض كان على الأقل يمتلك إحتمالية الخير، و متشائم لأن الخير ليس خياراً صعباً أو ربما حتى خياراً بديهيا لمن نشأ في سياق يمكنه على ذلك.